الروائية دلال خليفة لـ «العرب»: أتعامل مع أي عمل لي وكأنه سر أعظم
حوار: سهلة آل سعد | 2013-02-19
هي شخصية غاية في الجمال والإبداع، حتى لتعكس كل شيء جميلا وكاملا ومستقيما عبر شخوص رواياتها الزاخرة بالطيبة والنقاء، فهل مرد ذلك لطبيعة دلال الجميلة؟ أم لبيئة نشأت فيها؟ أم لتطلعها لعالم كامل تسود فيه قيم الكمال وينتصر فيه الخير؟ أم لكل ذلك معا؟
تصور لنا الروائية المبدعة دلال خليفة في روايتها (دنيانا.. مهرجان الأيام والليالي) أحداث روايتها وكأنها تتربع على كوكب بعيد ممسكة بيدها تلسكوبا عالي الوضوح تراقب من خلال عدسته الدقيقة أحداثا واضحة ومحددة على كوكبنا الأرضي، ترى الأحداث داخل فقاعات زمنية، كل فقاعة تحمل مشهدا مختلفا متعلقا بالمشاهد الأخرى ومرتبطا معها في سلسلة واحدة تفصل بينها فواصل زمنية ومكانية.
فقاعة.. ثم فقاعة.. ثم فقاعة.. تحمل فقاعاتها الكثير
من الصدق والواقعية، ونجد شخوصها في كثير من أفراد المجتمع حولنا..
دعونا ندخل معها فقاعة حوارية بلورية.. مكانها صحيفة «العرب» القطرية.. وزمانها أحد أوقات الدهشة المحملة بالإبداع.. حاورنا دلال خليفة فأين حملتنا..؟
• الأديبة الشاملة.. إلى أي حد ينطبق هذا الوصف على الأديبة دلال خليفة ، حيث كتبت الرواية والقصة والمسرحية وأدب الطفل؟
- «الأديبة الشاملة» صفة بها إطراء أفضل ألا أستخدمها لوصف نفسي، ولكني كما تقولين كتبت في أكثر من لون من ألوان الأدب. ربما لو نشرت شيئا في الشعر لأصبحت شاملة حقا. ولكن ما كتبته في هذا اللون قليل ولا أحب نشره. دعيني أقتبس كلمة ممثل اكتشف مذيع أنه يكتب الشعر، عندما سئل لماذا لا ينشر أشعاره ويظهر للناس كشاعر قال: «لست واثقا هل سيعجب شعري الناس أم لا، وأخشى أن يقضي الشاعر على الفنان».
• ما سر هذا الدفق الإبداعي المتميز والجميل لدى دلال؟ وهل ننتظر عملا قريبا في الطريق يحملنا إلى برار بعيدة أو يعبر بنا بحارا وأنهارا؟
- إذا كنت ترين في أعمالي تدفقا وتميزا فهذا من فضل الله تعالى علي، أما بالنسبة للعمل بالمواصفات التي ذكرتها فلدي عمل ينتظر أن يُستكمل ويرى النور منذ أكثر من 10 سنوات، وهو إن شاء الله سيكون كما وصفت وأكثر إذا وفقني الله في استكماله ونشره، وهو العمل الروائي الوحيد الذي لم أستكمله خلال أشهر، ذلك أنني أتعرض فيه لفكرة كبيرة جدا تحتاج إلى صفاء ذهني كبير جدا وقدرة على حبس نفسي لساعات طويلة أمام الكمبيوتر، ولا أجد لدي المزاج المناسب لذلك، وهو مختلف تماما عن أي عمل آخر قدمته فيما مضى، ومنذ بدأته وأنا أتركه بالشهور والسنين، وعندما أعود إليه أضطر إلى قراءة ما كتبته لأضع نفسي في أجوائه ثم أكتب صفحات قليلة وأتركه ثانية، مع أن بدايته ونهايته مكتوبتان بالفعل والأجزاء الداخلية هي الناقصة، ولكني أرجو أن أنهيه خلال عام لأني إن لم أفعل فقد أفضل أن أنسى أمره تماما!
• إذا كان ثمة مولود آخر في الطريق ألنا أن نتعرف إلى بعض سماته وملامحه؟
- أرجو أن يوفقني الله في إخراج كل «مواليدي»، فلدي أكثر من واحد، أحدها دراسة في موضوع معين لا أحب الكلام عنه الآن، بالإضافة إلى قصة أطفال النص جاهز فيها تماما ولم يبق إلا الرسومات، وأستميحك عذرا بالنسبة للملامح لأنني دائما أتعامل مع أي عمل لي قبل أن يخرج وكأنه سر أعظم!!
• في رأيك إلامَ يعزى الضعف الإنتاجي للأدب المحلي؟
- لا أعلم الشيء الكثير عن الإنتاج المحلي، ولكن أظن أن الحق معك، ربما كان الإنتاج قليلا.
• هناك تصريح لك يقول برفضك للأدب التنفيسي والانفعالي وثقتك في الأدب التأملي، ما أمثلتك على الأدب الانفعالي والتنفيسي؟ أليس الأدب في أحد مهامه وجوانبه تنفيسي؟
- ليس هذا ما قلت بالضبط، قلت إنني أنا (دلال خليفة) أحب كتابة الأدب التأملي ولا أحب كتابة الأدب التنفيسي والانفعالي، بمعنى أني أحب أن أشرك القارئ في فكري وليس في عاطفتي أو انفعالاتي، ولا يهمني أن أنفس عن انفعالات الكاتب وغزائزه، فقط أحب أن يفكر معي، ولكني لا أحجر على الآخرين.. الآخرون أحرار فيما يكتبون.
• يتكرر في روايتك (أشجار البراري البعيدة) أسلوب التثنية، فنجد العطف بـ (ثم) متكررا كثيرا، وأنت ذكرت في مقدمتها أنها أعدت لتشعر القارئ بروح المذكرات الواقعية، أيمكن تصنيفها ضمن أدب السيرة الذاتية؟
- اللغة التي يستخدمها الكاتب من الأشياء التلقائية، ومن ثم تأتي بشكل غير مقصود أو مبرر. أما بالنسبة لسؤالك عن إمكانية تصنيفها ضمن أدب السيرة الذاتية فلا أرى ذلك لأن السيرة الذاتية تحكي قصة حياة أو جزءا من قصة حياة كاتبها. وهذا غير صحيح بالنسبة لـ»شجار البراري البعيدة».
• نورة.. الراوية، وبطلة «أشجار البراري البعيدة» شخصية شديدة الواقعية والتماسك والقوة، وهي تهرب ببوحها لجهاز الكمبيوتر مفضلة له حتى النهاية على البوح للبشر، إلى أي مدى ترين تواجدا لنموذج نورة في المرأة القطرية، وهل تكشف أو تعكس نورة جانبا من شخصية دلال، وإلى أي مدى؟
- لقد رسمت شخصية نورة لتمثل المرأة الخليجية بشكل عام خاصة الخليجية، لهذا ترينها محافظة وواقعية، الغريب في الأمر أن كثيرات ممن قرأنها من قطر وبلاد عربية أخرى أخبرنني أنهن وجدن أنفسهن فيها. ومن هذا المنطلق أظن أنها تعكس صورة عن المرأة القطرية. وربما كانت تشبهني ليس في العقلانية وإنما في ميلها للتنظير.
• يزخر أدبك بتأملات ومقارنات فلسفية، ما مرد ذلك؟
- أظن أن مرد ذلك أن هناك أشياء كثيرة تستوقفني، وأحب إذا استوقفني شيء أن أشبعه تفكيرا وتحليلا.
• المكان.. الذي يشكل هاجسا وعنصرا في روايات دلال، ما خلفية تشكله في وعيها من خلال مراحل حياتها المختلفة؟ بأسلوب آخر ما الأمكنة التي انطبعت في دلال وانعكست في أدبها أو جعلتها تنثر أدبا؟
- من الممتع أحيانا أن يفاجئك قارئ أو ناقد بشيء لم تلق له بالا أو ظننت أنك لم تلق له بالا مثل المكان الذي تقولين إنه يشكل هاجسا في رواياتي.
أظن أنني أعتني بالمكان مثلما أعتني بباقي تفاصيل العمل، بالطبع هناك أمكنة معينة وقليلة بقيت عالقة في ذاكرتي، وبالطبع استوحيت منها في بعض أعمالي.
• حين نتحدث عن دلال خليفة لا يمكننا أن نغفل شقيقتها وتوأم موهبتها شعاع خليفة والعكس صحيح، وفي مقدمة روايتك «أشجار البراري البعيدة» دافعت عن رواية شعاع «العبور إلى الحقيقة» في وجه تصنيف القراء وبخاصة النقاد غير الصحيح للعمل الأدبي، وخوفا أيضا من لحوق هذا التصنيف «غير الصحيح» بروايتك ذاتها وتصنيفها في ذات الخانة بما أنها أيضا تحمل سفرا من الشرق إلى الغرب، ثم عدت وتخليت عما أردته من توضيح صنف الرواية في الطبعة الثانية منها إذ أدركت أن (استخلاص الأفكار الخاصة جزء من الاستمتاع بقراءة العمل الأدبي).. أخبرينا ما الذي أوجد القناعة الأولى ثم غيرها إلى الثانية؟
- «أشجار البراري..» كانت روايتي الثانية، وكنت لا أزال في مرحلة ابتغاء المثالية، مثلا يجب أن يفهم القارئ كل فكرة أطرحها، يجب ألا يحيد عن الموضوع الذي أعالجه وهكذا.. وفي الوقت نفسه كنت أشعر أن قولبة الأعمال تظلم العمل ولا تعطيه حقه في التحليل والدراسة واستكشاف الأفكار الجديدة فيه؛ لذلك قدمت للعمل بما ظننت أنه سيجنب الناقد أو القارئ الوقوع في هذه القولبة.
أما فيما بعد فقد أدركت أن الناس يفسرون بما يحبون وإن أخبرهم الكاتب بنفسه بعكس ما فسروا. كما أن تفسيرهم للعمل يؤثر كثيرا في استمتاعهم به. ومن ثم شعرت أن تلك المقدمة أصبحت لا تهمني لأني احتجت إلى كتابتها آنذاك فقط. وقد كتبت الكلمة الجديدة لأني أردت أن أخبر القارئ أنها عادت لا تهمني لأنه سيظن لو لم أكتب تلك الكلمة أنني ما زلت أفكر بالطريقة نفسها. وطبعا لا أستطيع أن ألغي الكلمة الأولى لأنها أصبحت جزءا من هذا الكتاب وتاريخه وتاريخي ككاتبة.
• بما أنك وشعاع خليفة شقيقتان أديبتان، أنستطيع أن نرد ذلك لوراثة عائلية أم أنها محض مصادفة. وإن كانت وراثة فممن كانت؟
- ربما كان للوارثة دور على اعتبار أن الذهنية القابلة لاتجاهات معينة تورث عادة، لا تستطيعين القول بأن والدينا كانا شاعرين مثلا، ولكني أشعر دائما أنهما متذوقان للشعر الجيد والطرب الجيد والقصة الجيدة.
• هل المقولة التي تذهب إلى أن العمل بالصحافة أو العمل عموما قاتل خفي للموهبة أو موهن لها في أحسن الأحوال وأن على المبدع التفرغ لإبداعه- صادقة؟ وهل هذا برأيك ساعد على غزارة إنتاجك الأدبي في فترات انقطاعك عنها وضعف إنتاج الأديبات والأدباء الآخرين؟ أللصحافة ذنب في ذلك؟ لصرف مزيد من الوقت عليها وربما لإفراغ أجزاء من حمولاتهم الإبداعية فيها؟
- إلى حد ما نعم. ابتعدت كثيرا عن الكتابة الصحافية لأني لا أحب إلزام نفسي كما ذكرت لأني من النوع الذي يضع كثيرا من الوقت في أي شيء يكتبه ولو كان صفحة أو صفحتين.
أما بالنسبة لشق سؤالك الثاني فدعينا لا نتحدث عن الآخرين يا عزيزتي، ثم إني أنا أيضا أصبحت مقلة.. أصبحت المشتتات كثيرة جدا لي وللآخرين مع الأسف بالإضافة طبعا إلى أن الحماس يكون أكثر بمئات المرات في البدايات.
• هل بإمكاننا القول إن للبيئة المنزلية والمجتمعية التي عاشتها دلال أثرا في طيبة واستقامة شخوص رواياتها ونقائهم؟ ذلك أنني لاحظت أن شخوص روايات دلال تحمل صفات الكمال والاستقامة كالطيبة دون أن يكون هناك وجود لشخصيات رديفة تحمل الصفات المضادة. ما تفسيرك لهذه الظاهرة؟
- لا أعلم بصراحة، تستطيعين القول إن والدي رحمهما الله كانا من أطيب من رأيت من الناس ولا أزعم أنني ورثت طيبتهما. ولا أعتقد أصلا أن لذلك أثرا في عدم تركيزي على الشر.. أظن أن السبب الرئيس هو مضمون العمل الذي أركز على إبرازه، ولا يهمني كثيرا أن أتعرض لجميع النماذج الموجودة في المجتمع ما دامت لا تخدم الموضوع، ثم إن مجتمعاتنا الخليجية فعلا تتسم بالطيبة وحسن النية.
وربما لأني لا أؤمن أن الإنسان يمكن أن يتسم بالشر المطلق إلا في أحيان نادرة، ففي غالبية الأشرار هناك بذرة تكاد لا ترى بالعين المجردة للخير. وإذا قست هذا على أعمالي فستجدين بعض الشخصيات غير الطيبة أو الشريرة مثل مختار وسفيان في رواية أسطورة الإنسان والبحيرة. وتتجلى بذرة الخير في مختار مثلا، في محبته لصديقه وعدم القدرة على إيذائه بأكثر من السجن.
• في (مدينة السديمة) لو استطاعت دلال النظر في صفحة مياه البحيرة الأسطورية أي صورة حيوان ستراها منعكسة لحظتها؟ ولماذا؟
لا يعرف الإنسان ما هو بالضبط، ولو حاولت الإجابة لاخترت حيوانا من الحيوانات التي أحبها، كالفرس مثلا أو الغزال أو الحمامة، ولكني أعلم أنني إن شبهت كلا من هذه المخلوقات الجميلة في صفة أجدها في نفسي فهي حتما ستتفوق علي بها وستختلف عني في باقي صفاتها؛ لذلك من الأفضل أن ننسى الأمر.
• في النهاية نريد التعرف على جانب لا نعرفه من دلال الإنسانة والطفلة والشابة، والمرأة.. أحببنا دلال الروائية ونريد استكمال الصورة لها وعنها.
- الطفلة خجولة بشكل كاد أن يفسد طفولتها، الشابة إذا تحمست لشيء لا تستطيع إلا أن تنفذه مهما كلف الأمر، وقد تكون مندفعة بعض الشيء.