بقعة ضوء | |
مسؤولية من؟ الحرية أم ممارسوها؟ | |
2010-01-17
هل نؤمن بالحرية إيماناً بأشخاص معينين لنكفر بها إذا كفرنا بهم؟ الحرية في حد ذاتها مطلوبنا، ومرادنا تغير الناس -تغير الزمن أم بقي على حاله-، هي بالنسبة لنا هدف ووسيلة في ذات الآن. هل توجد حرية مسؤولة وحرية غير مسؤولة؟ هل يمكن تصنيف الحرية ضمن هذين الإطارين؟ تصنيفها بذلك ظلم لها، لأنها ما هي سوى فكرة وتطبيق، والمسؤول في ذلك وغير المسؤول هو الشخص أو الجهة التي تقوم بممارستها، فالأحرى أن يصنف الناس بذلك لا مفهوم الحرية!! والأحرى أن يحاسب الأشخاص والجهات على انتهاكاتهم، لا أن تحاسب الحرية وتقام لها المقاصل. أقول هذا الكلام على خلفية سعي دولة الكويت الشقيقة -منارة الحريات الإعلامية والدستورية في الخليج- لانتهاك حرمة صرحها الذي شيدته بسعيها لإقرار قانون عقوبات إعلامي صارم، تصل مدة عقوبة السجن فيه إلى عامين، والغرامة إلى 200 ألف دينار كويتي، إضافة إلى ورود مصطلح الحرية المسؤولة في معمعتهم هذه. للكويت شأنها، ولكن كان الأحرى أن تعاقب القنوات الفضائية المسببة للفوضى، والأشخاص المتسببين بها، بدلا من معاقبة الحرية كمسلك ومفهوم، وأخذ الجميع بجريرة جهة واحدة! فلا تنقص الإعلام وكسة أخرى!! قبل أيام قرأنا بجريدة "العرب" عن سعي ما يسمى اللجنة الدائمة للإعلام الإلكتروني ومفوضية الإعلام العربي لفرض قيود أو وصاية على إعلام الدول العربية!! وقبلها ببضعة أيام أطلقت صحيفة القبس الكويتية صرخة "واحريتاه" عنواناً رئيسياً بصفحتها الأولى، احتجاجاً على قانون العقوبات المزمع تطبيقه، وقبلها خضنا في قطر غمار حرب إعلامية على أعتاب حرية الصحافة. هل نعايش اليوم زمنا إعلاميا أسود؟ لا، على العكس كل هذه الموجات والموجات المرتدة عنها، وجميع ما خيض وما يخاض من حروب وصدامات إعلامية دليل على توهج روح الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى، وبخاصة الإعلام الإلكتروني، ونحن نظلم الإعلام عموماً -والصحافة من ضمنه- إذا قلنا إنه يعيش فترة دمار أو كساد أو تردٍ، وأرى أن ما حدث من قبل، وما يحدث الآن، قد يكون فترة مخاض لولادة إعلام أكثر إشراقاً وأكثر انفتاحاً وتحرراً، وأكثر توجيهاً من الإعلام الحالي -فالإعلام حالياً موجه أكثر منه موجه (بفتح الجيم الأولى وكسر الثانية)-، وقد يكون العكس أيضا ولكن إذا حدث وكان العكس فإننا نعلم يقينا بعودة تصاعد الأصوات للمطالبة بالحقوق الضائعة من جديد، وفي ذلك دورة للحياة، وإذكاء لروح الحرية، فإذا ذهب من يطالب بها اليوم سيأتي من يطالب بها غدا. الحرية مطلب أساسي لنهضة وتقدم الشعوب والدول ولكرامتها أيضا، وهي ركن الديمقراطية الصلب الذي تقوم عليه، أولسنا دولا تنادي بالديمقراطية وتسعى لتطبيقها؟ ودعونا نوضح معنى الحرية الإعلامية المبهم، الحرية الإعلامية هي عدم تقييد صلاحيات وسائل الإعلام على اختلافها، وعدم إملاء واجباتها عليها، وعدم ترهيبها بمصطلح الحرية المسؤولة، فكل مسؤول ومحاسب عما يكتب أو يذيع، وليست الحرية هي المحاسبة نيابة عن الأشخاص، فالأمر بذلك يشبه أن يعاقب الخادم بجرم سيده، وهذا المصطلح يرسل رسالة مبطنة للكتاب والإعلاميين بعدم التطرق للقضايا المهمة، وعدم ملامسة لب الأمور، والتلويح بأن هناك أشخاصا فوق المحاسبة وأشخاصا تحتها، الحرية المسؤولة كلمة جميلة بل ومقبولة، لولا علمنا بما تبطنه من تعليمات، وحقيقة أرى أن استبدالها بمصطلح الأشخاص المسؤولين والجهات المسؤولة أجدى وأكثر توفيقا، فحين يساءل يساءل الناس لا الحرية، فتعمى وتصم على الجميع، ويوجه لها أصبع الاتهام، وتقام لها المشانق، وهي براء من هذه التهم، وفي أسوأ الأحوال هي المتهم الثاني أو الثالث، وفي الحقيقة أيضا لا أرى فيما كتب ويكتب خروجاً عن إطار الحرية الذي أطروه (بتشديد الطاء) بالمسؤولية، فكل ما كتب من قبل وما يكتب الآن هو آراء تعبر عن أفكار ونظرات أصحابها للأمور من مناظيرهم الفكرية الخاصة قد تخطئ وقد تصيب، فإن أصابوا فمن الله وإن أخطأوا فلهم نصيب المجتهد، وهو في النهاية فكرهم لا فكر المجتمع، ورؤيتهم لا رؤية المجتمع، وهم محاسبون عليها ومقيمون من قبل عقول وعقلاء المجتمع، وعلينا -إيمانا بحرية التعبير- السماح بمرور جميع أطياف الرؤى والتفكير وعرضها، ما صلح منها سيأخذه الناس وما غث سيتركوه، فأفراد المجتمع ليسوا أطفالا ليغرر بهم، وهناك قانون كوني يجعل ما يفيد الناس يبقى وما يضرهم تذروه الرياح، فلا حاجة لاستعجال النظام الكوني، وإقامة الرقابة على الأفكار وخنقها في مهدها، خاصة أننا في زمن تطورت فيه التكنولوجيا إلى حد بعيد، وأصبحت فيه مصادر المعلومات متاحة بعدة أشكال وعدة أوجه، ولن يفيد منعها سوى في الترغيب فيها أكثر. وإذا كان الموضوع حماية لحقوق من تتعرض لهم هذه الكتابات أو الوسائل الإعلامية، فإن بإمكانهم، أشخاصا أو جماعات أو جهات، الرد عليها عبر القنوات الإعلامية ندا لند إن أرادوا، أو عبر القنوات القضائية -ومن هم من يتناولهم الإعلام بالتحليل أو المساءلة؟ ما هم إلا شخصيات عامة ارتضت أن تتقلد مناصب، وأن تبرز من خلال وسائل الإعلام المختلفة، أم أنها ارتضت امتداح هذه الوسائل لها وتسخط حين تساءل من قبلها أو حينما يسلط الضوء على تقصيرها فيها- لذا ليس من المستحب أن تقيم الدول من أنفسها وصيا قسريا على أفرادها، لأنهم ليسوا قاصرين فكريا. أن نختلف ليست هي القضية، فالله سبحانه وتعالى خلقنا مختلفين في الهيئة والنفس والتفكير، المهم ألا نسكت من نختلف معهم، وألا نكبت من نختلف معهم، وألا نظلم من نختلف معهم، فالعدالة هدف سام كالحرية أيضا، دعهم يقولون ما يريدون ودعنا نقول ما نريد، والحكم في النهاية للمتلقي، سيقبل الصحيح وينبذ الخطأ، نطقت نوال السعداوي، من تبعها؟ ونطق بعض رجال الإفتاء في بعض البلاد العربية بالعجائب، من تبعهم؟ والأمثلة على ذلك كثيرة، فللناس عقول تفكر وتمايز وتحكم بها على الأمور. أتمنى من الله أن تهدأ الزوابع في دولة الكويت الشقيقة، وأن تهدأ زوابع الإعلام العربي عموما، وأن تبعد عنه محاولات فرض الوصاية الفكرية، وأن تعاد الأمور إلى مرتكزاتها، وأن تأخذ أحجامها الطبيعية، وأن تسمى الأشياء بأسمائها، وأن تتم محاسبة المخطئين لا محاسبة الحرية، إذا أخطأت قناة نقول أخطأت القناة الفلانية، وإذا أخطأ كاتب نقول أخطأ الكاتب الفلاني، ولا نقول أخطأت الحرية إلا إذا كان جميع ممارسيها مخطئين، وبدلا من لومها ينبغي شكرها وتقديرها ومكافأتها على ما قدمته لنا من خدمات. | |
سهلة آل سعد |
ديوان كلمات وصور متوفر حاليا بمكتبة الإنارة (الوكرة) / دار الثقافة - قطر / مكتبة الربيعان - الكويت
الثلاثاء، 1 مايو 2012
مسؤولية من؟ الحرية أم ممارسوها؟
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق