الشاعرة سعاد الكواري لـ «العرب»:
وجدت ذاتي في الصالون الثقافي.. وهو بيتي الثاني
حوار: سهلة آل سعد | 2013-03-12
• ما تعريفك للشعر؟ في أي جزء من أجزاء الروح يقطن ويفرّخ؟
- الشعر شي مبهم لم يعرف حتى الآن ولن يعرف مهما اجتهدوا. لا أعرف أين يسكن ولا أعرف متى يخرج وكيف يأتي
• ما المدرسة الشعرية التي تنتمي لها سعاد الكواري؟ وبمن تأثرت؟
- مدرسة البوح والصراخ في لحظة الانكسار، تأثرت بجاك بريفير حتى الموت.
• قلت ذات مرة «جئت للكتابة من الرغبة الحقيقية للثرثرة فلم أكن أجد من ينصت إلى دائما عندما أشعر برغبة في الفضفضة والحديث بلغة غريبة عني وعمن حولي.. ولكن لو وجدت من يسمعني لا أعتقد أنني سوف أبحث عن الكتابة».. أما زلت تبحثين عمن يستمع إلى لغتك؟ وهل حقا لو وجدته ستكفين عن الكتابة؟ هل الكتابة بوح بديل محض؟
- كل مرة نحتاج لمن نثرثر معهم لمن يشبهوننا ولكن لأنها أصبحت صعبه أن نجدهم ولكي لا نعيش في عزلة نذهب نحن لهم أما الآخرون فنحن نتخيلهم ونثرثر معهم وما زلت أردد دائما الشعر هو البديل عمن نتمناهم فلن نجد من يتقبلنا كما نحن لهذا نخترعهم ونمضي والآن أصبحنا نتقمصهم لدرجة أنهم أصبحوا ذواتنا العطشى للثرثرة وللحياة ولأنني لا أثرثر الآن فلم أكتب منذ زمن طويل نعم عندما أجد من يسمعني سوف أتوقف عن الكتابة نهائيا.
نعم الكتابة هي البديل الحقيقي للصمت القهري ولأني قليلة الكلام أصبحت الآن قليلة الكتابة أيضاً.
• سعاد التي تهرب إلى فضاء الشعر تقول «لا أحب لحظات الكتابة لأنني أستطيع أن أعبر عن نفسي جيدا بالحركة والعمل والانخراط وسط القطيع بكل إتقان».. أيهما أكثر تعبيرا عنك.. لحظات الكتابة أم لحظات العمل؟
- في مرحلة من حياتي قلت هذا الكلام لأنني تعودت على العزلة عندما يتملكني الشعر ولأنني كنت مقبلة على الحياة والعمل وأحب أن أوضح شيئا لقد أنجزت أعمالي الأدبية في مرحلة السكون والركود والعزلة وعندما انتقلت إلى المجلس الوطني وعملت بالثقافة والمهرجان شعرت بأنني ألمس الواقع وأعيش الحياة الثقافية بكل أبعادها وجمالياتها قلت هذا الكلام لأنني كنت مقبلة على الحياة أما الآن وبعد مرور الوقت أتراجع عن هذا الكلام لأنني أصبحت أتمنى لحظة الكتابة مع لحظة العمل أتمنى أن أستطيع الموازنة بينهما وألا يطغى أحدهما على الآخر.
• لأي الذاتين تميلين أكثر.. ذاتك الشاعرة أم ذاتك العاملة؟
- هما شيء واحد ولكن كما قلت لك إنني لا أكتب إلا في العزلة ولكن مع البيت والعمل أصبحت الكتابة بعيدة جدا وكلما أخذت إجازة للكتابة ضاعت في أشياء أخرى لم أعد أستطيع أن أغلق الباب كلما أغلقت الباب انفتح لهذا أنا أحاول أن أتعود الكتابة وسط الضجيج هذا ما أعاني منه الآن.
• «الصالون الثقافي» التابع لوزارة الثقافة والفنون والذي تشرفين على أنشطته.. ما مهامه؟ وما الذي يشكله لسعاد؟ هل وجدت فيه ذاتك العاملة أم ذاتك الشاعرة أم الاثنتين معا؟
- أولا يشكل الصالون الثقافي لي الملتقى الحقيقي الذي ألتقي به بالعالم من خلال مجموعة من الوجوه التي لا يربطني بها إلا هذا المكان الدافئ الذي يجمعنا على الفكرة والصدق والشفافية ولأنني استطعت أن أكون مع زميلي الأستاذ محمد عصفور فريقا متجانسا ومتفاهما ونعمل في هدوء وبعيدا عن الضوضاء والمصالح الشخصية نعمل كفريق واحد ليس لنا هدفا إلا أن نلتقي هنا في الصالون الثقافي ونناقش مواضيع تهم الساحة الثقافية ونقدم أسماء مختلفة محلية وعربية تلتقي على الثقافة لا شيء آخر.
مهام الصالون طرح القضايا الثقافية المتنوعة في إطار ثقافي راق له جمهوره ومرتادوه الذين أصبحوا جزءا من الصالون الثقافي.
وجدت فيه ذاتي بالفعل ربما هو المكان الأقرب بالنسبة لي فكما تعرفين نحن في وزارة الثقافة نتعامل كأسرة واحدة من أعلى شخص فيها إلى أقل شخص هذا ما لمسته أنا بالذات منذ عملت في وزارة الثقافة منذ أكثر من عشر سنوات وأنا أشعر بهذه الروح الراقية في التعامل والبساطة وبالفعل كلما زادت السنوات كلما شعر بهذا الشعور الذي يجعلني أشعر بسعادة وحب للعطاء رغم تغير الأسماء والشخصيات إلا أنني دائما كنت أحظى بأشخاص رائعين ومتفهمين للساحة الثقافية وهدفهم خدمة الثقافة والمثقف في قطر وخارجها ففي وجود الأستاذ الرائع الأمين العام مبارك الخليفة الذي أعطانا كل سبل الراحة ووفر لنا كل سبل النجاح والعمل بهدوء وأريحية والأستاذ القدير الشاعر فالح العجلان الهاجري الذي كان خلفنا في كل خطوة رغم كل شيء إلا أنهما كانا معنا وأعطيانا الثقة وهي أهم ما نحتاج إليه في العمل خاصة الثقافي الذي يكون دائما في حالة من النقد والرأي والرأي الآخر ولكن لأنهم منحونا الثقة لكي نقدم كل ما نستطيع تقديمه حسب إمكاناتنا بالفعل الآن وبعد مرور الوقت أستطيع أن أقول لك أن الصالون هو بيتي الثاني.
• «أغسطس» هو شهر الكتابة الاختياري لديك كما ذكرت في لقاء سابق، أيستطيع المبدع اختزال إبداعه متى شاء؟ أيستطيع تأجيل بوحه وتحديد موعد له للتدفق أو للتوقف؟ يأتي أغسطس فتبثينه حزنك وألمك.. يرحل فتلملمين بقايا أوراقك وتختفين في زحام الحياة؟. أهذا ما تفعلينه يا سعاد؟ لم اخترت أغسطس وأية صداقة حزينة هذه التي عقدتها معه؟!
- أين أنت يا أغسطس أصبح من الماضي كنت أعني به موعد إجازتي السنوية لأنني كنت أستعد للكتابة بمعنى اختار الوقت والزمن والمكان كنت أستعد للشعر أولا تبدأ إجازتي السنوية في هذا الشهر فأنام في النهار وأسهر في الليل وهنا تبدأ الكتابة لدي مدة شهر كامل لا أرى النور ولا الناس وأكتب كل ليلة منذ الساعة الواحدة صباحا وحتى شروق الشمس وريقات متناثرة من كل ما عشته طوال السنة كنت اختزل التجارب والأفكار والمشاعر حتى هذا الوقت وما أن تنتهي إجازتي وألملم أوراقي وأخرج إلى النور وأرى الناس والشارع والشمس يختفي الشعر إلى موعده في السنة القادمة.
هكذا كنت أتعامل مع الشعر وخلال السنة أقوم بالتنقيح والتضبيط والمناقشة والنشر، لهذا كانت لإجازتي قيمة لدي أما الآن وبعد أن كبروا الأبناء فلم نعد نحلم بإجازة ولا غيره أصبحوا ينامون معي ويقومون معي لهذا أشعر برغبة كبيرة لكي أعود لتلك الأجواء التي كنت أستقبل بها الشعر.
• جنوسة الشعر.. أيصح أن نقول إن الشعر النسائي يأتي غالبا ناعما وحزينا ومستكينا ومغلوبا على أمره، وأن الشعر الرجالي يغلب عليه العكس وفقا للطبيعة البيولوجية والاجتماعية والنفسية للجنسين؟! أبعتقادك هذه المقولة صحيحة.. ولماذا؟
- لا أعرف لماذا لا أستسيغ هذه الأفكار أبداً اقطعي أي مقطع من أي ديوان شعري واقرئيه فلن تميزي كاتبه إذا كان رجلا أو امرأة فالشخصية التي يدور حولها النص هو الكاتب سواء كان رجلا أو امرأة النص هو الحكم ولكن عندما تتضح الأمور ونعرف من الكاتب وما هي الظروف تبرز هذه الأفكار.
لابد أن نبتعد عن هذه النظريات البالية لأن جميع الأمور متداخلة بشكل كبير.
• (باب جديد للدخول) قصيدة رائعة تحملنا لعالم سريالي.. تفتتنا كالرمل بين طيات أحلامك ورؤاك.. من أين انبعث ذلك الأسى والضباب؟ لمن تريدين الدخول من ذلك الباب؟ من تخاطبين؟ وعمن تبحثين إذ تقولين:
من أي باب أدخل إليك؟
من أي ثقب أدخل وأرفع عنك الغطاء؟
غطاء الجهات وأقترب من جسدك المنهار؟
قل لي من أي باب أدخل إليك؟
لقد تعبت قدماي فعادت توسلاتي لا تكفيك
أيها الجالس على عرش المكابرة
على تلة الرفض
هذا جسدي وهذه الطعنات
هذه العيون التي تتعقبني دون رحمة
هذه العيون التي تعرف جيدا
كيف تعيدني إلى تابوتي المفتوح
تعيدني وتغلق الأبواب خلفي
فكيف أدخل إليك؟
- أصعب شيء على الكاتب أن توجه له مثل هذه الأسئلة فإن قلت لك ما ظروف هذا الديوان الصغير تستغربين فقد كتبت هذا النص دفعة واحدة وكان عبارة عن مقاطع متداخلة ومكملة لبعضها ولأن ديواني وريثة الصحراء تأخر في النشر فكرت أن أطبعه وبالفعل طبعته على أنه سوف يخرج بعد الوريثة فلم أكن أعطيه أهمية كبيرة ولكن بعد ذلك تفاجأت بما كتب عنه من دراسات فعدت أقرأه من جديد كأني لم أكن أنا من كتبه وقد طرحت أسئلة كثيرة ولكن ليس عندي لها أجوبة ربما كانت العتمة وقتها عميقة.
• رغم مساحات الحزن والحيرة والاستناد إلى زوايا الضياع، إلا أن بوادر تصميم تظل موجودة رغم مخالطتها اللااختيار
نلمسها في مواضع، مثلا حين تقولين:
من النافذة أدخل إليك
من الشقوق
من الأبواب المواربة
كالغبار أتشرد بين زواياك
يا سيد العطاء والحب
آوني لا طريق أمامي غيره
لا مدينة
لا محطة
لا قطار
لا حقيبة تحملني إلى المنفى
ولا منفى يستقبلني فآوني
هذا الإصرار على الدخول والركون لمأوى الذات الأخرى المختارة، علام يدل؟
- على العند، أعرف أنني عنيدة ولكن ماذا كنت أريد الله أعلم بعد مرور كل هذا الوقت لا أتذكر أي شي سوى أنها كلمات يقال إنني كتبتها ذات يوم.
• أيجوز لنا في النهاية أن نتعرف على لمحات من سعاد الإنسانة؟
- إذا كنت تقصدين الإنسانة بمعنى السيرة الذاتية فأنا شاعرة قطرية، أما إذا كنت تبحثين عن شيء آخر فتعالي إلى الصالون الثقافي لكي تتعرفين علي عن قرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق